رأفة بالأطفال والطفولة

المحامية أليس كيروز سليمان - جريدة النهار في 4 نوفمبر

05/11/2023

 رأفة بالأطفال والطفولة

 
إن ما يجري في قطاع غزة بحق الأبرياء وخاصة الأطفال منهم نتيجة الحرب المدمرة التي يشنها الكيان الصهيوني، المغتصب أرض فلسطين، يندى له جبين العالم. فالمشاهد التي نراها كل يوم لأطفال مبعثرة أجسادهم أشلاء، ومن بقي على قيد الحياة يحمل جثة شقيقه منتظراً مجيء دوره ليلفه في كفن، مشاهد تدمي القلوب ولا تتحرك الدول التي تدّعي الحفاظ على حقوق الإنسان لردع إسرائيل ووقف إطلاق النار حتى ولو لظروف إنسانية. فما السبيل من نزع هذه المشاهد المرعبة من عقول الأطفال ونفوسهم. 
 
لقد تجاوز العدو الإسرائيلي في حربه على الأبرياء المحرومين من حقهم المقدس في الحياة، في قطاع غزة، كل القوانين الدولية الراعية لحقوق الإنسان وخاصة أثناء النزاعات المسلحة، وضرب عرض الحائط بمبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، وسط صمت مريب للدول التي كانت وراء وضع هذه القوانين والاتفاقيات الدولية من أجل فرضها على الدول وخاصة أثناء الحروب. 
 
فالحروب ليست مجرد وسيلة قتل متفلتة من كل القوانين، فما يجري في قطاع غزة من مجازر بذريعة الدفاع عن النفس حول الدفاع عن النفس الى مجرد وسيلة قتل وابادة شعب بكامله، ما يشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وقد شاهد ذلك المدعي العام أمام المحكمة الجنائية الدولية أثناء تفقده الحدود بين مصر وقطاع غزة.
 
إن حماية الأطفال من ويلات الحرب ليست فقط قضية إنسانية وإنما هي قضية أمن دولية لها عواقب مستقبلية على استدامة السلم والأمن والتنمية، لما للنزاعات المسلحة من تأثير ضار عليهم ليس جسدياً واجتماعياً فحسب بل نفسياً بسبب المعاناة التي يعيشون وحرمانهم من الحقوق التي ينبغي أن يتمتعوا بها والتي لا تتوافر عملياً إلا في حالة السلم وفي تحقيق تنمية مستدامة. الحرب تقضي على ما كان متوافراً من حقوق. أما الأطفال الذين يضطرون الى النزوح الى مناطق أكثر أماناً حاملين معهم آثار اقتلاعهم من جذورهم وحرمانهم من طفولتهم وألعابهم وذكرياتهم وبيئتهم، هذا إن لم يحرموا من آبائهم وأمهاتهم وإخوتهم، فيولد القهر والظلم الذي لحق بهم حالة من الحقد والنقمة تترك آثاراً سلبية على المجتمعات التي يعيشون فيها، فيختزنها العقل وترافقهم طيلة حياتهم.
 
إن كل الاضطرابات النفسية تظهر آثارها في سلوكيات الأطفال فيمسون ضحية الصدمة ما بعد الحرب تحتاج معالجتها إلى تقديم برامج دعم صحي اجتماعي ونفسي.
 
 إن أخطر ما في آثار الحرب على الأطفال لا يقتصر على ما يظهر منها أثناء الحرب، بل إن ما يظهر منها لاحقاً في جيل كامل من نجا منها، فتمتلئ مشاعرهم بالعنف والعدوانية واليأس والقلق المستمر وعدم الاستقرار وإنشاء العديد من الاضطرابات النفسية والجسدية والسلوكية.
 
 
 لقد نشأت الأمم المتحدة من أجل الحفاظ على الأمن والسلم العالميين كشرط أساسي لتحقيق التنمية وتوفير الشروط المادية التي تمكن الإنسان في مختلف دول العالم من التمتع بالحقوق التي أقرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية، فأين الأمم المتحدة من القضية الفلسطينية ؟
 
 لقد أكدت المراحل التي مر بها الصراع العربي الصهيوني أن لا حل لهذا الصراع إلا بإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، وهذا الحلّ لا يقوم إلا بقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية وفق المبادرة العربية التي جاءت في مؤتمر القمة المنعقدة في بيروت عام 2002 ، وهذا الحل هو حاجة ضرورية ليس فقط لأبناء الشعب الفلسطيني بل لشعوب جميع دول المنطقة لأنه يضمن الاستقرار ويضع هذه الدول على طريق التنمية التي هي الشرط الأساسي لضمان حقوق المواطنين وتوفير مستقبل آمن للأطفال.
 
 
المحامية أليس كيروز سليمان
رئيسة تجمع الهيئات من أجل حقوق الطفل في لبنان
 

 

أخبار متعلقة